السلام مع إسرائيل- مفتاح سوريا ولبنان لمستقبل مزدهر
المؤلف: فهد إبراهيم الدغيثر10.26.2025

يتداول العديد من الخبراء والمحللين السياسيين ضرورة أن تستفيد "هيئة تحرير الشام" من الأخطاء الفادحة التي ارتكبت خلال فترات "الربيع العربي" في كل من ليبيا واليمن، وأيضًا من التجربة العراقية المتعجلة نحو تبني الديمقراطية الغربية، وذلك لتجنب الوقوع في نفس النتائج السلبية التي شهدتها تلك البلدان في مستقبل سوريا. ومما يبعث على الأمل هو الخطاب الذي تبناه رئيس الهيئة، أحمد الشرع، والذي صرح به في لقاءات متعددة مع وسائل الإعلام المختلفة، حيث أكد على أن أولوياته الرئيسية تتمثل في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية كهدف أسمى، بالإضافة إلى بناء دولة مدنية عصرية تتسم بالتعددية العرقية والدينية، وتسعى جاهدة للاستفادة القصوى من الموارد الهائلة التي تمتلكها سوريا، سواء كانت زراعية، نفطية، أو بشرية.
إن تحقيق هذه الغايات النبيلة في أقرب وقت ممكن يتطلب تهيئة الظروف المواتية والأجواء المناسبة، وفي مقدمة هذه الظروف يأتي السلام مع دول الجوار ومع المجتمع الدولي بأكمله. في منطقتنا، على الرغم من أن كلمة السلام هي الأكثر تداولاً بين المفكرين والمحللين، إلا أنها الأقل تطبيقاً على أرض الواقع. ويعزى ذلك إلى الانتشار الواسع والمتزايد لتجار الحروب، الذين يستغلون شعارات "المقاومة" والتحرير لتحقيق مكاسب شخصية. وأنا أشير تحديداً إلى أولئك الذين يتشدقون بضرورة مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين، على الرغم من أن العرب في صراعاتهم مع إسرائيل منذ نكسة عام 1948 قد تكبدوا خسائر فادحة ولم يحققوا أي مكاسب تذكر مقارنة بما تحقق من خلال معاهدات السلام. ومن المؤسف أيضاً أن سوريا في عهد حافظ الأسد لم تحذ حذو مصر السادات عندما استعادت سيناء عبر اتفاقيات السلام في كامب ديفيد. فلقد كان بإمكان الأسد آنذاك استعادة الجولان لولا تراجعه في اللحظات الأخيرة.
في الوقت الراهن، تكمن قوة سوريا التفاوضية في حدودها الإستراتيجية، وتحديداً في مرتفعات الجولان، وأهمية استقرار هذه الجبهة بالنسبة لإسرائيل. وهنا يثور تساؤل هام: لماذا لا تسعى الحكومة السورية الجديدة، عبر وسيط نزيه، إلى إقامة علاقات سلام مع إسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة من الجولان، أو من جزء كبير منه على الأقل؟ من حيث المبدأ، يمكن للقيادة السورية أن تقتدي بمن قدم لها الدعم لتحرير الدولة، وأنا أقصد تركيا، التي تربطها علاقات وثيقة ومتكاملة مع إسرائيل، ويتبادل الطرفان كافة أنواع التبادل التجاري والصناعي.
ليس لدي علم ما إذا كان هذا التوجه مطروحاً لدى القيادة السورية الجديدة، إلا أن هذا المسار قد يكون بمثابة تحقيق مكاسب جمة بجهد واحد. وأهم ما يمكن تحقيقه لسوريا هو الحصول على الدعم العالمي على الأصعدة السياسية والاقتصادية، ومنحها الشرعية اللازمة من مجلس الأمن الدولي. كما أن سوريا بحاجة ماسة لإعادة تنظيم قواتها الأمنية والعسكرية، الأمر الذي سيتطلب دعماً مالياً ولوجستياً من الأشقاء ومن دول العالم كافة. وثمة محور آخر لا يقل أهمية، وهو قطع الطريق على المزايدين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية. والأهم من كل ذلك هو التفرغ لبناء سوريا الغد، التي يستحقها هذا الجيل من أبناء وبنات وشيوخ وأطفال سوريا بعد عقود طويلة من فساد الحكومات، والقتل، والتنكيل، والإجرام. وما ينطبق على سوريا يمكن أن يقال أيضاً عن لبنان والعراق، إذا ما توفرت الإرادة السياسية اللازمة. فلبنان تحديداً، بما يزخر به من طبيعة خلابة وتعايش فريد من نوعه عربياً بين مختلف الأعراق والمذاهب، لا بد أن ينأى بنفسه عن الحروب والمواجهات، وأن يعود قبلة ساحرة للسياحة والاستثمارات، وحتى يتحقق ذلك، لا بد من إغلاق جبهة الجنوب إلى الأبد من خلال المصالحة والتطبيع مع إسرائيل.
إننا نقول ذلك لأن إسرائيل باقية إلى أجل غير مسمى، كما هو واضح للعيان. وإقامة العلاقات مع الأعداء لا تعني بالضرورة زواجاً كاثوليكياً وصمتاً مطبقاً عن التجاوزات. فنحن نشاهد مواقف الدول العربية الموقعة على معاهدات سلام مع إسرائيل ضد الانتهاكات الإسرائيلية، والعديد من هذه المواقف له تأثير ملموس. ثم إن السلام يخلق بيئة مواتية للاستثمارات المتبادلة بين الدول وقطاعاتها الاقتصادية، ومن شأن ذلك أن يشكل مراكز دعم داخل إسرائيل قادرة على كبح جماح المتطرفين في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ومثل هذا الدعم لا يتوفر مع القطيعة الكاملة.
لقد عانت دول الشام وشعوبها، على مدى أكثر من نصف قرن، من الشقاء والبؤس والحيرة وضبابية المستقبل. واستغل "البعض" ضعف وتهالك قياداتها التي جعلت الخيانة دستورها. فباع هذا "البعض" الضمائر واشترى الذمم ولم يتردد في سفك الدماء البريئة. هذه الدول وشعوبها في أمس الحاجة إلى استعادة الأنفاس وبناء كيانات جديدة "مختلفة تماماً" عن كل ما مضى. كيانات توفر الحياة الكريمة لأصحاب الأرض وترعى المبدعين وتزرع الفرح وتنافس على الجودة وتغلق الأبواب ضد الطامعين. وعندما تتحد هذه الكيانات مع أشقائها في الخليج وشمال أفريقيا، سنشهد عندئذٍ ولادة "أوروبا جديدة" في منطقتنا. ألا يستحق تحقيق مثل هذا الحلم كل التضحيات ونسف العوائق البالية والخرافات الأخرى التي عفا عليها الزمن؟
إن تحقيق هذه الغايات النبيلة في أقرب وقت ممكن يتطلب تهيئة الظروف المواتية والأجواء المناسبة، وفي مقدمة هذه الظروف يأتي السلام مع دول الجوار ومع المجتمع الدولي بأكمله. في منطقتنا، على الرغم من أن كلمة السلام هي الأكثر تداولاً بين المفكرين والمحللين، إلا أنها الأقل تطبيقاً على أرض الواقع. ويعزى ذلك إلى الانتشار الواسع والمتزايد لتجار الحروب، الذين يستغلون شعارات "المقاومة" والتحرير لتحقيق مكاسب شخصية. وأنا أشير تحديداً إلى أولئك الذين يتشدقون بضرورة مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين، على الرغم من أن العرب في صراعاتهم مع إسرائيل منذ نكسة عام 1948 قد تكبدوا خسائر فادحة ولم يحققوا أي مكاسب تذكر مقارنة بما تحقق من خلال معاهدات السلام. ومن المؤسف أيضاً أن سوريا في عهد حافظ الأسد لم تحذ حذو مصر السادات عندما استعادت سيناء عبر اتفاقيات السلام في كامب ديفيد. فلقد كان بإمكان الأسد آنذاك استعادة الجولان لولا تراجعه في اللحظات الأخيرة.
في الوقت الراهن، تكمن قوة سوريا التفاوضية في حدودها الإستراتيجية، وتحديداً في مرتفعات الجولان، وأهمية استقرار هذه الجبهة بالنسبة لإسرائيل. وهنا يثور تساؤل هام: لماذا لا تسعى الحكومة السورية الجديدة، عبر وسيط نزيه، إلى إقامة علاقات سلام مع إسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة من الجولان، أو من جزء كبير منه على الأقل؟ من حيث المبدأ، يمكن للقيادة السورية أن تقتدي بمن قدم لها الدعم لتحرير الدولة، وأنا أقصد تركيا، التي تربطها علاقات وثيقة ومتكاملة مع إسرائيل، ويتبادل الطرفان كافة أنواع التبادل التجاري والصناعي.
ليس لدي علم ما إذا كان هذا التوجه مطروحاً لدى القيادة السورية الجديدة، إلا أن هذا المسار قد يكون بمثابة تحقيق مكاسب جمة بجهد واحد. وأهم ما يمكن تحقيقه لسوريا هو الحصول على الدعم العالمي على الأصعدة السياسية والاقتصادية، ومنحها الشرعية اللازمة من مجلس الأمن الدولي. كما أن سوريا بحاجة ماسة لإعادة تنظيم قواتها الأمنية والعسكرية، الأمر الذي سيتطلب دعماً مالياً ولوجستياً من الأشقاء ومن دول العالم كافة. وثمة محور آخر لا يقل أهمية، وهو قطع الطريق على المزايدين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية. والأهم من كل ذلك هو التفرغ لبناء سوريا الغد، التي يستحقها هذا الجيل من أبناء وبنات وشيوخ وأطفال سوريا بعد عقود طويلة من فساد الحكومات، والقتل، والتنكيل، والإجرام. وما ينطبق على سوريا يمكن أن يقال أيضاً عن لبنان والعراق، إذا ما توفرت الإرادة السياسية اللازمة. فلبنان تحديداً، بما يزخر به من طبيعة خلابة وتعايش فريد من نوعه عربياً بين مختلف الأعراق والمذاهب، لا بد أن ينأى بنفسه عن الحروب والمواجهات، وأن يعود قبلة ساحرة للسياحة والاستثمارات، وحتى يتحقق ذلك، لا بد من إغلاق جبهة الجنوب إلى الأبد من خلال المصالحة والتطبيع مع إسرائيل.
إننا نقول ذلك لأن إسرائيل باقية إلى أجل غير مسمى، كما هو واضح للعيان. وإقامة العلاقات مع الأعداء لا تعني بالضرورة زواجاً كاثوليكياً وصمتاً مطبقاً عن التجاوزات. فنحن نشاهد مواقف الدول العربية الموقعة على معاهدات سلام مع إسرائيل ضد الانتهاكات الإسرائيلية، والعديد من هذه المواقف له تأثير ملموس. ثم إن السلام يخلق بيئة مواتية للاستثمارات المتبادلة بين الدول وقطاعاتها الاقتصادية، ومن شأن ذلك أن يشكل مراكز دعم داخل إسرائيل قادرة على كبح جماح المتطرفين في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ومثل هذا الدعم لا يتوفر مع القطيعة الكاملة.
لقد عانت دول الشام وشعوبها، على مدى أكثر من نصف قرن، من الشقاء والبؤس والحيرة وضبابية المستقبل. واستغل "البعض" ضعف وتهالك قياداتها التي جعلت الخيانة دستورها. فباع هذا "البعض" الضمائر واشترى الذمم ولم يتردد في سفك الدماء البريئة. هذه الدول وشعوبها في أمس الحاجة إلى استعادة الأنفاس وبناء كيانات جديدة "مختلفة تماماً" عن كل ما مضى. كيانات توفر الحياة الكريمة لأصحاب الأرض وترعى المبدعين وتزرع الفرح وتنافس على الجودة وتغلق الأبواب ضد الطامعين. وعندما تتحد هذه الكيانات مع أشقائها في الخليج وشمال أفريقيا، سنشهد عندئذٍ ولادة "أوروبا جديدة" في منطقتنا. ألا يستحق تحقيق مثل هذا الحلم كل التضحيات ونسف العوائق البالية والخرافات الأخرى التي عفا عليها الزمن؟
